الخميس، 27 أكتوبر 2011

على مشارف الاختيار



أسيرةٌ هي..لا تملك في عالمها سوى قلمٍ مخلصٍ وأوراقها البيضاء..تخطّ فيها بعض آلامها وتسكب غيضا من عبَراتها على أحلامٍ معطوبة
وترسم في ثنايا الكلمات ملامحَ فارسها النبيل..ينتزعها من أيدي الأشرار ويذود عنها بحياته ويخبئها في أحضان قلبه فلا تشعر معه بذرّة خوف ويتوقف إدراكها للزمان والمكان
تذوب فيه كقطعة من السكّرٍ قلّبتها مِلعقةُ المفاجأة المنتظرة!
وتلتحم به كسبيكةٍ من الذهب صهرتها نارُ الشوق لحلُم الصبا!

كل من عرفها منذ طفولتها وإلى الآن وصفها بالاختلاف..بأن بها شيئاً من عبق الماضي  يُخيّل لمن يراها أنه يعرفها منذ زمن.
لا ترى هي في نفسها اختلافا ولا تفرّدا سوى أن قلبها لم يعرف غير الحب..غير لذة أن تكون نقيّا..لا أكثر ولا أقل!
فيها الطفولة والأنوثة والرجولة معا!
مزيجٌ بشريّ لا ملائكيّ ولا يُكسبها صفة القدّيسين!


يا فارسا قد سرق قلبي..
وخلع عني ثوب الكبرياء..
دعني أستودعك سرّا قديما دفنتُه في تراب الذاكرة 


أحبّت قبلك مرّتين..
مرةً..كان حبّا بائسا يائسا من طرفٍ واحد..لرجلٍ لم ترَ لم له مثيلا من قبل..رجلٍ سكنت فيه روحان.."وطنٌ..وامرأةٌ غرق في حبها حتى النخاع"
كانت تعلم أنه ليس لها لكنها لم تستطع أن تمنع نفسها من حبه ولا من حبها أيضا!
صدمتها واقعيّة الحياة فتضعضع عملاقُ حزنها عليه حتى توارى في ركنٍ خفيّ من الذاكرة..كلما تلمسته اليوم تُرتسم على شفتيها ابتسامةُ حنينٍ لماضٍ لم يكن لها من البداية.
ومرة أخرى ..أحبت رجلا كان يهوى العبثَ بأقدارها..أحبها هذه المرة وأحبته وامتلأت به وامتلأ بها..وافترقا في يومٍ حين أخبرها أنه للحب حساباتٌ أخرى!

شغلتها الأيام وانكبّت على دراستها تلتمس فيها العزاء حتى تفوقت بامتياز وشُغلت بنجاحها وفرحة أحبائها عن ألمٍ ظلّ حارقا إلى أن خبا وانطفأ بل وصار رمادا!
تاه هو من بعدها حين شعر بفداحة المُصاب فعاد يحاول استجداء قلبٍ كان له..عاد يُشعل فيها الشوق ويبثّها كلمات الأسف والوله..
ضعيفةً كانت معه وقد كان يرجو أن يلين قلبُها وتضعف من جديد ولكن..هيهات!
هيهات للنسيان أن يزور قلبا شرب كأس الخذلان حتى الثمالة..هيهات للرماد أن يغدوَ ناراً من جديد!

مضت في حياتها موصدةً باب قلبها المتصدّع..
وحدها تعلم أنها أضعف من الضعف نفسه ولكن كيف تعود لمن طعنها في الصميم؟ أما وإنه قد أضاع قلبها من قبل فلن يُضيع اليومَ ما تبقى من كرامتها.
عادت إلى عينيها الضحكة من جديد..
أقبلت على الأيام بقلبٍ موصدٍ كسير وكرامةٍ لم يرمّم شروخها أنه استجداها فأبت لأنها لم تأبَ الرجوع من باب التشفي ولكن..هكذا الخذلان..
حين يستولي عليك تظلّ مرارته غصّةً في القلب لا يزيلها سوى الحب الخالص!



أنت!
أنت من أزال عني تلك الغصة المريرة التي لازمتني طويلا..
أنت من تسلل إلى قلبي رويدا رويدا ولم أنتبه إلا وأنا مُحتلةٌ منكـ مسحورةٌ بكـ
قاومتُ قدر استطاعتي ولم ألبث إلا أن أعلنتُ استسلامي!

لا أدري كيف ولا أين ولا لماذا
لا أدري ولم يعد يعنيني الجواب..
أنت من جاء يُحيي الماضيَ والحاضرَ والمستقبل.


كيف؟ كيف تمكنت؟
كانت موصدةً قلبها..كيف دخلته؟
كانت في عينيها تلك الضحكة التي فارقتها طويلا وعادت لتبعث طفولة غابت وطال غيابها
كيف استحالت بك ضحكة عينيها إلى ابتسامة المشفق مما هو آت والحزين على ماقد فات!
أحبت قبلك مرتين..
لكنك أول من حاز على إجماع قلبها وعقلها معا
تبحث فيك في لحظةٍ -تخالها حياديّة- عما قد يسوؤها منك فلا تجد سوى الإعجاب
تشعر بأنك منها..تحنو عليكَ كأمٍ ثكلى..
تتحسس جراحكَ بلمسةٍ من حرير..تودعُ فيها كل الحنان والحزن في أعماقها
تبكي من أجلك كما لم تبكِ على أحدٍ من قبل
تحبك!


آه..
آهٍ منكـ ومن تلكـ الكلمة..
ليتها تُعبّر عن قليلٍ مما يجيش بالقلب..ليتها تصف شيئا من عاطفةٍ مشبوبة
ليتها تهمس بحبي كله في أذنيكـ
ليتها تبوحُ برجفة قلبي وشفتيّ..
بحزنيَ الجارف على ما فات..وما سوف يفوت!


فما أجمل الحُلمـ حين يوشكـ أن يتحقق..
وما أقسى الحُلمـ حين تكون مُكبلا بهواجس ماضٍ.. مات ولم يمت.

ليست هناك تعليقات: