(هناك شخص حولك يحتاج لأن يعرف قيمته لديك)
لم أكن أؤمن بهذه الجملة إيمانا يُدخلها حيّز التنفيذ..على الأقل بالنسبة لك!
فلطالما اعتقدت بأنني كتاب مفتوح للجميع..يقرؤون فيه ما أريد وما لا أريد
فكيف لا تقرؤني (أنت) بالذات!!
(أنت)..أي العالم بالنسبة لي..العالم الكائن بداخلي..وفيه أولد أنا كل مساء وكل صباح..أنام في جفونه وأستيقظ على جنونه..
(أنت)..أي همي الذي ليس لي همّ سواه..كيف هو وإلى أي شيء صار..أعيش في تفاصيله وتفاصيل تفاصيله..
ماذا أكل..هل قبّل أمه اليوم قُبلة الصباح المُفعمة بالامتنان..أي الثياب سيرتدي هذا اليوم..أيّ عطرٍ سيضع..لماذا يبدو واجما..ما الذي يُقلق منامه ويستدعي آلامَه..
(أنت)..هو ذلك الرجل الذي ملأ عليّ حياتيَ الفارغة من كل شيء وأي شيء..بما لا يمكن أن تخلوَ منه يوما..
(أنت)..نبضةٌ ساحرة من قلبيَ البضّ ليس لي أن أتجاوزها..هبةٌ من السماء لا تفقدُ يوما رونقَها..قضيةٌ دائمة في أعماقي لا تسقطُ أبدا بالتقادم..نَفَسٌ يُبقيني على قيد الحياة رغم الهواء الطَلق..
(أنت)..يعني "أنا" في جسدٍ آخر..أجوع فيأكل وأهوى فيعشق وأسعدُ فيرتوي وأتمارض..فقط أتمارض فيمرض!
مُلتحمان نحن رغم طول المسافات..لا قانون للبُعد يحكمُ علاقتنا ولا اعتراف بشرعيّة ما بيننا ننتظره من غيرنا فترتاح ضمائرُنا..
منصهران نحن في بَوتقة الألم..ذائبان في قهوةٍ للصباح مريرة لكنها ضرورة تُبقي على استيعابنا لمزيدٍ من جرعة الألم الحتميّة..
متكاثقان نحن كقطرتي ماءٍ متعانقتين على ركنٍ لواجهة زجاجية بحانوتٍ متهالك في برد الشتاء القارص..
وجودنا معا هو المِنحة الوحيدة في خضمّ المحنة التي تلفّ قلبينا..وهو مصدر دفءٍ يدبّ في أوصالنا فيمنحنا ارتجافة أخيرة نودّ لو دونّاها في كتب التاريخ..
ارتجافة القلب المُقبل على دفء العمر وحرارة أخطر تجربة!
متلاشيان نحن من ذاكرة الزمن وحسابات الأيام وروتين الحياة..حسابات الزمن بالنسبة لي تبدأ معك..
فيوم دخولك قلبي هو يوم مولدي الذي لا مولد لي قبله..ويوم اعترافك لي بالحب هو يوم عيدي الذي فيه أوقدت شموعي وتزينت أشيائي وأصبحتُ أكثر جمالا وجاذبية!
أتراني بالغت؟ أو غاليت في تصوير مكانتك العارمة بقلبي وروحي وكل جوارحي؟! أتراني أجاملك على حساب مشاعري وكبريائي؟! أم تراني أوقد لكـ شمعة من نار سخطي على هوان ثقتك بي؟!
كيف؟ كيف بعد كل حرفٍ كتبتهُ وكل اهتمامٍ أبديته لا تزال غارقا في لُجّة الحيرة تلك؟ كيف لا تزال تتساءل عنك وعن قيمتك في نفسي؟ كيف؟
ولماذا - أخبرني- أبوح لكـ دون غيركـ بما يجيش في القلب؟ لماذا أختاركـ أنت لتشير عليّ في أدق أموري؟ ولماذا أبكي لما يحزنك..وأتنفس الصعداء حين تنقشع عن سمائك غيوم الأرق؟
لماذا عليّ أن أخسر حيائي كي أحوز عليك؟! لماذا عليّ.. أن أكتب إليك لا عنك..وأنت في كلا الحالتين تصلك كلماتي؟! لمَ لا تقدّرُ طبيعتي كأنثى تتشبث ببقايا التزامها الخُلُقيّ؟!
الآنَ يا نفسي..لن أطلب منكَ البقاء ولن أسألكَ الرحيل..
الآنَ بعدما جرّدتُني أمامك وخلعتُ عني ثوب كبريائيَ الأثير..
لن أناديكَ مجددا بـ"حبيبي"..ولن أبثك من بعدُ أشواقي ولا همساتِ حنيني أوصرخاتِ أنيني..
فإن شعرتَ ثانيا بحاجتك لمعرفة قيمتك..حاول أن تقرأني..أن تُمحّص كلماتي..ولا تسلني عنك..ولا عنا..
فليس بمقدوري حينَها سوى الصمت..الصمت المقهور!
ديسمبر 2011